من منا لم يفشل يوما ما بتحقيق أمانيه؟ من منا لم يغير خطته مرارا وتكرارا بسبب عدم قدرته على تحقيق أهدافه؟ الحقيقة أن غالبية البشر يتعرضون لانتكاسات كثيرة ومتعددة خلال سعيهم للوصول لأهدافهم المرسومة مسبقا. وهذا الأمر ليس جديدا أو مقتصرا على فئة معينة من الناس، بل هو الحالة المعتادة والطبيعية لدى عموم الناس، وإلا لما كان للنجاح في الوصول للأهداف طعم يذكر، ولغدا شأنه شأن الأكل والشرب وبقية الأفعال التي نقوم بها تلقائيا ولا تتطلب جهدا لفعلها.
فإن اقتنعنا بذلك، يبقى السؤال: ما هي أسباب فشل أغلب المخططات المالية التي نضعها.
سوف ألقي الضوء فيما تبقى من أسطر على طائفة من الأسباب التي أراها شائعة بين الناس، وتؤدي لفشلهم في تحقيق أهدافهم المالية.
1- استعجال النتائج
الإنسان الطبيعي لا يحبذ الصبر مهما بلغ به العلم والمعرفة بفوائده. فالحصول على ما نريد بأسرع وقت ممكن هو أحد دعامات العقل البشري الذي يعمل (عند أغلب البشر) بصورة أسرع من الوتيرة التي نقوم بها ببقية أفعالنا. وضيق الوقت هو المحفز أحيانا للبعض للقيام بأغبى التصرفات في سبيل الوصول للنتائج بصورة سريعة. وعندما يتعلق الأمر بالمال، فإن الصبر لا غنى عنه. فسواء كنت راغبا بالادخار أو الاستثمار أو ممارسة التجارة، فإن التسرع قد يقضي على كل مساعيك السابقة.
2- المقارنة بالآخرين
وهذه المقارنة تُسهم في ثني العديد من الأشخاص عن تحقيق أهدافهم المالية، وذلك من جهتين، فهي إما أن تجعلنا نستخف بأهدافنا عند مقارنتها بأهداف الآخرين “الضخمة”، وإما أن تقلل من عزمنا على مواصلة الطريق نحو أهدافنا عند مقارنتها مع أهداف الآخرين “المتواضعة”. فالانسان بطبيعته معتاد على ممارسة أنشطته بالصورة “الدارجة” ولا يسهل عليه الانحراف عنها للقيام بالأمور كما يريدها هو. وبالتالي فإن المقارنة تدفع الناس للانقياد للنهج السائد الذي يخلو من التميز والإبداع.
3- الملل
لا نحسن القيام بالأشياء التي نمل منها. فالاستمتاع بما نقوم به عنصر أساسي لأي توجه نرغب فيه. ومن طبيعة الخطط أنها تبعث على الملل، وتقيد حرية الإنسان في فعل اللأمور التي تقع خارج نطاق خطته المرسومة. وبالتالي فإن العديد من الأفراد يعزفون عن المضي قدما في خططهم رغبة في الارتماء في أحضان المُتع على اختلاف أشكالها.
4- عدم الكتابة
فالخطط التي “في الرأس” لن تتحقق ما لم تدوّن على الورق. والكتابة هنا لا تعني بالضرورة الإسهاب في شرح كل صغيرة وكبيرة في خطتك المالية، وإنما مجرد رؤوس أقلام تفي بغرض إيصال مفهوم الأمور التي ترغب في تحقيقها ووسائل الوصول إليها. كما أن الجداول الزمنية بطبيعتها تتطلب كتابة وتحديد دقيق للمواعيد وإلا غدت مجرد أفكار تدور في عقل صاحبها.
5- المبالغة
وهي داء يصيب محبي التخطيط من الذين لا يرضون بالنتائج المعقولة ويسعون لتحقيق ما هو أعظم من ذلك … بكثير. لا شك أن الطموح للأفضل أمر محمود وله عوائد طيبة على النفس البشرية. إلا أن المبالغة في بعض الطموحات قد تؤدي بالإنسان لهجر التخطيط وطلاقه طلاقا بائنا. حيث أن الاستمرار في العجز عن تحقيق النتائج العظيمة أمر محبط وطريق شبه مؤكد للركون لليأس.
هذه الأسباب التي ذكرتها أعلاه هي مما خبرته شخصيا وشهدته كذلك في العديد من الأشخاص، وحري بها أن تدفعك عزيزي القارئ لأن تحرص على معالجتها، أو على الأقل الانتباه لتأثيرها على خططك المالية. أما كيفية التخلص من هذه الأسباب فيكون وبكل بساطة عن طريق تجنها، والحيلولة دون الركون لنتائجها. فمن لا يكتب خطته فعليه بالكتابة فورا، ومن يقارن نفسه بالآخرين فعليه بالإقلاع عن ذلك، وكذلك الذي يستعجل النتائج فعليه بالتريث وارتداء ثوب الصبر، ومن يبالغ في التخطيط فعليه بالقليل من التواضع والعقلانية في الأهداف، ومن يمل من خطته فعليه بتطعيمها ببعض الإثارة والتشويق اللازمين لجعل الخطة مغامرة أكثر منها مجرد جداول صماء.
قد تبدو هذه الحلول بسيطة وبديهية، ولكن لا تدع بساطتها تدفعك للشك في جدواها. تبنى بعضها أو جميعها وستجدها خير معين لك على الالتزام بخطتك المالية.
فيصل كركري
كاتب ومحاضر متخصص في مجال إدارة الأموال الشخصية
رابط مدونة فيصل الشخصية.