التضخم هو ظاهرة مالية واقتصادية واجتماعية يتعلق ظهورها بمجموعة من العوامل. إليك الآن كل ما تحتاج معرفته عن اسباب التضخم المالي.
يستعمل التضخم كمقياس لمعدل ارتفاع أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد. ينتج عن التضخم، إذا حدث، ارتفاع أسعار الضروريات اليومية مثل المنتجات الغذائية وهذا قد ينتج عنه أضرار اجتماعية وخيمة. لا يقتصر الأمر على المنتجات الغذائية فقط، بل يمكن أن يحدث التضخم في أي منتج أو خدمة مثل السكن أو الرعاية الصحية أو حتى مستحضرات التجميل. وإذا حدث وساد التضخم في سائر مجالات القطاع، يتزايد حينها القلق حول ما إذا كان توقع حدوث المزيد من التضخم أمرا محتملا عند المستهلكين والشركات على حد سواء.
يمكن أن يكون التضخم مصدر قلق كبيرا للمستهلكين والشركات على حد سواء، لأنه يجعل الأموال التي يتم توفيرها اليوم أقل قيمة في الغد ولأنه يؤدي إلى تآكل وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلك بشكل قد يؤثر على التقاعد. فعلى سبيل المثال، إذا حصل المستثمر على 5٪ من الاستثمارات في الأسهم والسندات، لكن معدل التضخم كان 3٪، فسيكون المستثمر قد ربح ما يبلغ 2٪ فقط من القيمة الحقيقية.
تابع القراءة لتتعرف على أهم اسباب التضخم المالي والعوامل المساهمة في حدوثه.
ما هي اسباب التضخم المالي؟
هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي ظهور التضخم المالي في الاقتصاد. وعادةً ما ينتج التضخم على عدة اسباب أهمها ارتفاع تكاليف الإنتاج أو زيادة مستوى الطلب على المنتجات والخدمات بالإضافة إلى الطلب على قطاع الإسكان والسياسات المالية التوسعية.[1]What Causes Inflation and Who Profits From It?, investopedia. تم الاطلاع 2022-03-16.
ارتفاع تكاليف الإنتاج
يعد ارتفاع تكاليف الإنتاج من أهم اسباب التضخم المالي. وفي هذه الحالة، يحدث التضخم عندما ترتفع الأسعار بسبب الزيادات في تكاليف الإنتاج مثل المواد الخام والأجور، بشكل لا يغير من مستوى الطلب على السلع ويخفض من المعروض. نتيجة لذلك، يتم تمرير تكاليف الإنتاج الإضافية إلى المستهلكين على شكل زيادات في أسعار السلع. ويمكن رؤية أحد علامات هذا الشكل من التضخم في ارتفاع أسعار السلع مثل النفط والمعادن لأنها مدخلات إنتاج رئيسية.
على سبيل المثال، إذا ارتفع سعر النحاس، فإن الشركات التي تستخدم النحاس لصنع منتجاتها قد تزيد من أسعار سلعها. إذا كان الطلب على المنتج مستقلاً عن الطلب على النحاس، فإن الشركة ستنقل التكاليف المرتفعة للمواد الخام إلى المستهلكين. والنتيجة هي أسعار أعلى للمستهلكين دون أي تغيير في الطلب على المنتجات المستهلكة. تؤثر الأجور أيضًا على تكلفة الإنتاج، وعادة ما تشكل الأجور أكبر حساب منفرد للشركات. عندما يكون أداء الاقتصاد جيدًا ويكون معدل البطالة منخفضًا، يمكن أن يحدث حينها نقص في اليد العاملة أو العمال. تقوم الشركات بدورها بزيادة الأجور لجذب المرشحين المؤهلين وهذا يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إنتاج الشركة. إذا رفعت الشركة الأسعار بسبب ارتفاع أجور الموظفين، يحدث تضخم ارتفاع تكاليف الإنتاج. ويمكن أن تؤدي الكوارث الطبيعية أيضًا إلى ارتفاع الأسعار. فإذا دمر الإعصار، على سبيل المثال، محصولًا مثل الذرة، يمكن حينها أن ترتفع الأسعار في مجموعة كبيرة من المواد والقطاعات نظرًا لاستخدام الذرة في العديد منها.
ارتفاع الطلب
ارتفاع الطلب هو أيضا واحد من اسباب التضخم المالي الرئيسية. يمكن أن يحدث التضخم بسبب ارتفاع مستوى طلب المستهلك القوي على منتج أو خدمة ما. عندما يكون هناك زيادة في الطلب على مجموعة واسعة من السلع عبر الاقتصاد، تميل أسعارها إلى الارتفاع. في حين أن هذا لا يمثل في كثير من الأحيان مصدر قلق حقيقي لحدوث الاختلالات قصيرة الأجل بين العرض والطلب، إلا أن صدى الطلب المستمر يمكن أن يتردد في الاقتصاد ويرفع تكاليف السلع الأخرى. والنتيجة، حدوث تضخم الطلب. تميل ثقة المستهلك إلى الارتفاع عندما تكون البطالة منخفضة والأجور في ارتفاع، حيث أن هذا يؤدي إلى زيادة الإنفاق. ولأن للتوسع الاقتصادي تأثير مباشر على مستوى الإنفاق الاستهلاكي في الاقتصاد، فقد يؤدي هذا إلى ارتفاع الطلب على المنتجات والخدمات.
مع زيادة الطلب على سلعة أو خدمة معينة، ينخفض العرض المتاح. عندما يتوفر عدد أقل من العناصر، يكون المستهلكون على استعداد لدفع المزيد للحصول على العنصر الذي يودونه على النحو المبين في المبدأ الاقتصادي للعرض والطلب. والنتيجة هي ارتفاع الأسعار بسبب تضخم الطلب والجذب. تلعب الشركات أيضًا دورًا مهما في ظهور التضخم، خاصةً إذا كانت تصنع منتجات شعبية. يمكن للشركة رفع الأسعار لمجرد أن المستهلكين على استعداد لدفع المبلغ المتزايد. تقوم الشركات أيضًا برفع الأسعار بحرية عندما يكون العنصر المعروض للبيع شيئًا يحتاجه المستهلكون للحياة اليومية، مثل النفط والغاز. ومع ذلك، فإن الطلب المستمر والمستقر من المستهلكين هو الذي يوفر للشركات هذا النفوذ لرفع الأسعار.
الطلب على قطاع الإسكان
شهد سوق الإسكان على مر السنين تحركات صعودية و هبوطية مختلفة. إذا كان الطلب على المنازل قد زاد، لأن الاقتصاد يشهد توسعًا، فسترتفع أسعار المساكن نتيجة لذلك. يؤثر ارتفاع الطلب هذا على المنتجات والخدمات الإضافية التي تدعم صناعة الإسكان أيضا، حيث قد تشهد منتجات البناء مثل الخشب والصلب والمسامير المستخدمة في المنازل ارتفاعا في الطلب نتيجة لارتفاع الطلب على المنازل.
السياسات المالية التوسعية
يمكن للسياسات المالية التوسعية الموضوعة من طرف الحكومات أن تزيد من مقدار الدخل التقديري لكل من الشركات والمستهلكين. إذا خفضت الحكومة الضرائب، فقد تنفقها الشركات على تحسين رأس المال أو تعويض الموظفين أو القيام بتعيينات جديدة. ويمكن حينها للمستهلكين شراء المزيد من السلع أيضًا. يمكن للحكومة أيضًا تحفيز الاقتصاد من خلال زيادة الإنفاق على مشاريع البنية التحتية. يمكن أن تكون نتيجة هذا من ناحية أخرى، زيادة في الطلب على السلع والخدمات مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وحدوث التضخم.
الآن بعد أن تعرفنا على أهم اسباب التضخم المالي، فلننتقل إلى التعرف على كيفية قياس التضخم والجهة التي تستفيد منه.
كيفية قياس التضخم المالي
هناك عدد قليل من المقاييس المستخدمة لقياس التضخم. من أشهرها مؤشر أسعار المستهلك (CPI)، الذي يقيس أسعار سلة من السلع والخدمات في الاقتصاد، بما فيها المنتجات الغذائية، والسيارات، والتعليم، والترفيه. في أكتوبر 2021، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 0.9٪ على أساس موسمي. بالمقارنة مع العام السابق، ارتفع المؤشر الكامل بنسبة 6.2٪ وهذا يجعله يمثل أكبر زيادة سنوية منذ عام 1990.
مؤشر أسعار المنتج (PPI) هو مقياس آخر للتضخم. يوضح هذا المؤشر تغيرات الأسعار التي تؤثر على المنتجين المحليين. يقيس مؤشر أسعار المنتجين أسعار الوقود والمنتجات الزراعية (اللحوم والحبوب) والمنتجات الكيماوية والمعادن. إذا ارتفع السعر بشكل يؤدي إلى انتقال مؤشر أسعار المنتجين إلى المستهلكين، فسوف ينعكس ذلك في مؤشر أسعار المستهلك.
ما هي الجهة المستفيدة من التضخم المالي؟
لا يستفيد المستهلكين بشكل عام من التضخم، لكن يمكن للمستثمرين منهم الاستمتاع ببعض الارتفاع إذا كانوا يمتلكون أصولًا في الأسواق المتأثرة بالتضخم. على سبيل المثال، قد يستفيد أولئك الذين يستثمرون في شركات الطاقة من الارتفاع في أسعار أسهمهم إذا كانت أسعار الطاقة ترتفع.
من ناحية أخرى، تجني بعض الشركات ثمار التضخم إذا كان بإمكانها فرض رسوم أعلى على منتجاتها نتيجة لزيادة الطلب على سلعها. إذا كان أداء الاقتصاد جيدًا وكان الطلب على الإسكان مرتفعًا، فيمكن لشركات بناء المنازل فرض أسعار أعلى لبيع المنازل. وبعبارة أخرى، يمكن للتضخم أن يزود الشركات بقوة تسعير ويزيد من هوامش ربحها. إذا ارتفعت هوامش الربح، فهذا يعني أن الأسعار التي تفرضها الشركات على منتجاتها تزداد بمعدل أسرع من الزيادات في تكاليف الإنتاج.
يمكن لأصحاب الأعمال أيضا حجب الإمدادات عن السوق عمداً لأن هذا سيسمح للأسعار بالارتفاع إلى مستوى مناسب. ومع ذلك، يمكن أن تتضرر الشركات أيضًا من التضخم إذا كان نتيجة لارتفاع تكاليف الإنتاج. تتعرض الشركات للخطر إذا لم تتمكن من نقل التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين من خلال الأسعار المرتفعة. إذا لم تتأثر المنافسة الأجنبية، على سبيل المثال، بزيادة تكلفة الإنتاج، فلن تحتاج أسعارها إلى الارتفاع. نتيجة لذلك، قد تضطر الشركات المحلية إلى تناول تكاليف الإنتاج المرتفعة وإلا فإنها ستخاطر بفقدان العملاء لصالح شركات أجنبية منافسة.
اقرأ أيضا: لماذا ارتفاع الأسعار أكبر مخاطر عام 2022؟