في عصر تتزايد فيه متطلبات الحياة بشكل غير مسبوق أصبحت المصاريف كثيرة والالتزامات عديدة، فلا تحل نهاية الشهر إلا ويكون الراتب قد تلاشى! أما الادخار فقد أضحى أملاً بعيد المنال لدى الكثيرين. لذلك ظهرت الحاجة إلى التخطيط المالي لتدبير الأمور المالية سواء الشخصية أو الأسرة.
التخطيط المالي
التخطيط المالي (Financial Planning) مفهوم كبير يتضمن أمورا عديدة مثل تدبير الصرف و الادخار و الاستثمار و التخلص من الديون وكيفية بناء موازنة مالية مُثلى للفرد أو الاسرة وأنواع التخطيط المالي… ومع ذلك ، فأنت لست بحاجة إلى أن تكون خبيرا ماليا حتى يكون لديك فهم قوي لما تعنيه كل هذه المفاهيم. وليس من الضروري – كما يعتقد لبعض – أن تكون صاحب أعمال أو ثروة كي تتقن الإدارة المالية ، بل تحتاج فقط إلى فهم بسيط لأساسيات ومبادئ التخطيط المالي حتى تتمكن من إدارة شؤونك المالية لتعيش حياة طيبة ومستقرة لك ولعائلتك.
استخدم هذا الدليل الشامل لاكتساب فهم أعمق للتخطيط المالي و تبدأ في بناء أساس مالي متين:
أهداف التخطيط المالي :
- حياة مستقرة : يرتبط استقرار الأحوال الشخصية للأفراد والأسر إلى حدٍّ كبير باستقرار أحوالهم المالية. وترتبط الأحوال المالية بالتخطيط المسبق لها. فالتخطيط المالي السليم شرط لا غنى عنه إذا شاء المرء درء المتاعب الاقتصادية، وتحسين أوضاعه باستمرار وصولاً إلى سن التقاعد الآمن والمريح.
- قرارات مالية سليمة : يساعد التخطيط المالي الأفراد والأسر على إدارة الموارد المالية بفاعلية، وتحسين اتخاذ القرارات المالية؛ البسيطة منها والمعقدة. ويساعد أيضًا على التحكم بالشؤون المالية وتجنب القرارات غير السليمة مثل الإفراط في الاقتراض أو الاعتماد على الآخرين لتدبير النفقات الشخصية.
- تنمية الثروة : وبنفس الضرورة يكون الشخص الذي يملك تجارة وثروة بحاجة لاتخاذ إجراءات وتدابير للمحافظة على ثروته وتنميتها حسب حاجاته وإمكانياته وصفاته الشخصية، بالإضافة الى سهولة نقل هذه الثروة الى الاجيال القادمة وعدم تناقصها.
“التخطيط المالي” هو خارطة الطريق والدليل المرشد نحو حياة مالية سعيدة.
التخطيط المالي الشخصي
إن التخطيط المالي الشخصي احد المكونات الاساسية في التمويل الشخصي والذي لا يستطيع الفرد الاستغناء عنه. حتى لو لم تكن صاحب مشروع وليس لديك أية تجارة، من المهم جداً أن يكون لديك سيطرة و تحكم بأموالك الشخصية. وتختلف الحاجة للتخطيط المالي الشخصي من فرد الى آخر، فالبعض لديهم عدة حاجات مالية وتختف هذه الحاجات باختلاف البيئة و الظروف.
إن التخطيط المالي الشخصي هو الطريق الأمثل لإدارة دخلك الشهري أو الأموال التي تمتلكها بشكل عام. سنستعرض معًا الخطوات الأساسية لتدبير أحوالك المالية الشخصية :
– الانضباط هو المفتاح
ربما كنت تعيش فوضى مالية عارمة طوال الفترة السابقة، لذلك لن يكون طريق التخطيط لأمورك المالية مفروشا بالورود، ولكن يحتاج الأمر منك بالفعل إلى عزيمة ونية صادقة للتخلص من هذه الفوضى وتنظيم أمورك المالية. إن العمل وفق المخطط المالي الشخصي قد يكون في بدايته شاقًّا، ولكن هناك ثمرة لذيذة وحصاد وفير، إذا ما التزمت بالتخطيط دون ملل أو تعب. فالانضباط والالتزام هو ما سيساعدك بالفعل على تذليل المصاعب وتمهيد الطريق نحو الاستقلال المالي الشخصي.
– الحذر من الاقتراض
إن العدو الأول لمستقبلك المالي هو الاقتراض! فقد اصحبت الحياة في هذا العصر معقدة بسبب المغريات التي تحيط بنا من كل جانب، وكثرة المتطلبات و تزايد الاقبال على الكماليات التي غالبا ما تكون تكاليفها أكثر من الدخل الشهري للفرد.
تجنب الاقتراض إذا لم تكن مضطرا لذلك، ولا تقترض فقط لشراء بعض الكماليات، كشراء سيارة جديدة أو السفر للترفيه أو لتجهيز غرفتك وتجديدها أو لتجديد هاتف كل ثلاث اشهر على سبيل المثال. يجب تجنب الاعذار التي لا يمكنك اعتمادها فقط لتقترض مالا. (يهمُّك : حتى لا تغرق في الديون! إليك 9 وصايا)
– رفع مستوى الوعي المالي
يوجد الكثير من الدورات والمحتوى الالكتروني على الانترنيت باللغة العربية والانجليزية، التي تهتم بمجال الثقافة المالية الشخصية ، تعلمك مهارات الإدارة و السيطرة على أمورك المالية و كيفية إتخاذ القرارات السليمة وتغيير السلوكيات التي تضر بمستقبلك المالي. قد تجد صعوبة في البداية في فهم المصطلحات المهمة والأساسية، لكن مع الوقت ستتمكن من التعامل مع هذه المفاهيم وبالتالي تتمكن من تعزيز ثقافتك المالية.
– الادخار ضرورة وليس اختيار
تتعذر الغالبية بعدم كفاية الراتب للادخار، بينما في الواقع ، مادام الفرد يملك دخلا يغطي استهلاكه الشهري فهو فعليا يستطيع أن يدّخر 10% من دخله. إن الادخار ليس مجرد تكديس عبثي للمال وبجشع كما يفسره البعض! بل عملية واعية لتأمين مخصصات مالية لمواجهة الحاجات المالية للمستقبل سواء الاعتيادية أو الطارئة المستقبلية.
الادخار هو نظام لتقليل صدمات الحياة وتحسين جودة حياة الاسرة، ويظهر ذلك جليا في أوقات الطوارئ المالية والأزمات غير المتوقعة. ونحتاج أيضا إلى ادخار المال للأمور التي يمكن توقعها كذلك، على سبيل المثال: توفير المال اللازم لإمتلاك منزل شخصي، فإن كنت قد ادخرت المال الكافي لذلك فإنك سوف لن تحتاج إلى الإقتراض، أو على الأقل لن تكون مضطرا إلى اقتراض كامل كلفة تملك المنزل. سنحتاج للادخار من تعليم الأبناء خصوصا في مراحل الدراسات العليا. وغير ذلك من الحاجات المستقبلية.
– التخطيط للاستثمار
إن الشخص الفاشل من الناحية المالية هو الذي يفكر فقط في الراتب وكيفية انفاقه. بينما الشخص الطموح لا يسارع بانفاق كل دخله هنا و هناك، بل يحاول ان يسخر جزءًا منه للاستثمار. وتوجد العديد من الخيارات الاستثمارية الأمثل و لو كانت انطلاقا من رأس مال صغير. إذا لم تكن مواردك المالية تسمح الآن بالاستثمار فلا مشكلة. كل ما عليك هو تفعيل الادخار لبناء راس مال يمكن استثماره في المستقبل. (اقرا أيضا: كيف استثمر فلوسي : 10 طرق لاستثمار المدخرات )
التخطيط المالي للأسرة
في كثير من الأحيان نشعر وكأن جيوبنا مثقوبة، نجني المال ولكن لا نعرف كيف يتم صرفه. ينتهي الراتب قبل نهاية الشهر.. هذا لسان حال الكثير من الأسر. أصبحت كل أسرة في الوقت الراهن بحاجة ماسّة إلى تطبيق موازنة الأسرة وفق مبادئ التخطيط المالي السليم. ومن الناحية العملية، يعني التخطيط المالي للاسرة وضع الخيارات والاحتمالات في الوقت الحاضر، و التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية وجيدة في المستقبل. بما يضمن تأمين الحاجيات المالية للأسرة في الوقت الحاضر ومستقبلا. وتندرج الحاجات المالية ضمن نوعين:
الحاجة للمال لمواجهة حدث معروف مسبقاً Predictable Event
ولمواجهة الأحداث المعروف حدوثها مسبقا او الممكن التنبؤ بها يجب تجميع وادخار المال لمواجهة هذا الهدف ولفترة محددة تنقضي بتحقق الحدث. مثال ذلك معرفتنا لموعد سداد قرض حصلنا عليه ، كذلك دخول المدارس والجامعات، حيث يبدأ الأهل بالادخار منذ فترة وصولا الى وقت دفع الرسوم المدرسية او الجامعية او لوضع ميزانية ومخصص لدفع المبلغ في وقت محدد حتى الادخار لزواج ابنائهم في المستقبل، ولكن دون تحديد موعد لهذا الحدث السعيد.
معظم الخطط المالية لمواجهة الحاجات المعروفة مسبقا تكون مصممة للاستفادة منها والحصول على المال خلال فترة حياة هذا الشخص.
الحاجة للمال لمواجهة حدث غير معروف مسبقا Unpredictable Event
الحاجات التي لا يمكن التنبؤ بها، فهي كثيرة قد تحدث او لا تحدث منها المرض والإعاقة أو وفاة الأهل قبل نضوج الأبناء او البطالة، وبالتالي هناك حاجة كبيرة للفرد ان يحمي نفسه وعائلته من هذه المخاطر، وأن يكون متأكدا ان فوائد خططه المالية والبرامج المتعلقة بها ذات عائد يكفي حاجات عائلته.
إن التخطيط المالي للاسرة أساس تحقيق الاستقرار الأسري. وفيما تقديم أهم الخطوات القابلة للتطبيق على مستوى الاسرة :
– تقييم الوضع المالي
أول ما ينبغي القيام به لإعداة التوازن المالي للأسرة هو معرفة الوضع الحالي، فلن يستطيع أن يخطط أحد ما دام لا يعي جيدا نقطة الانطلاق. مثلاً: مقدار دخل الأسرة، حصر جميع الديون وجدولتها وتصنيفها حيب ما يجب تسديده بأقرب وقت؟ وما يمكن تأجيله؟ وما هو حجم الإنفاق الشهري وما إذا كان هنالك أي أمور يمكن الاستغناء عنها أو ترشيدها؟
ابدأ بدراسة الموقف وكتابة النقاط التي على الاسرة أن تنفذها لتذليل العقبات وبداية بسط الطريق امام التنظيم المالي، وأول خطواته إعداد الموازنة الشهرية.
– الموازنة الشهرية للاسرة
القاعدة الذهبية في الموازنة الشهرية تفيد أنه لا يتجاوز السكن ثلث الراتب، وما لا تتجاوز 10% على الترفيه و 40% على الحاجيات الأساسية (الطعام والشراب والتنقل والتعليم..). والنسبة المُتبقِّية توجَّه للادخار. طبعًا يمكن تغيير هذه النسب حسب ظروف كل أسرة، لكن أي خلل كبير في النسب فتكون هناك مشكلة تحتاج إلى حل.
الموازنة الناجحة تُحدَّد على ضوء الأولويات وليس بناءً على المنافسة الاجتماعية المزيّفة. فلا ينبغي ان تقارن الاسرة وضعها بالآخرين، فكل أسرة تختلف احتياجاتها، فقد يكون شراء سيارة مجرد كماليات يمكن الاستغناء عنها، بينما أحد الجيران هي من الأساسيات لوجود مريض لديهم في البيت، أو أي ظرف آخر.
– وضع الأهداف المالية
إن من مبادئ التخطيط المالي الاساسية تحديد أهداف مالية واضحة وواقعية. وتختلف الاهداف المالية من أسرة الى أخرى. فهناك من يسعى للتخلص من الديون، وهناك من يطمح لزيادة دخل الاسرة أو الدخول في استثمار معين.
مثال على هدف مالي : مثلا أن تقول بأنه حتى نهاية هذا العام سيتم القضاء على الديون أو تخفيضها بنسبة 50%. ومن شروط رسم الأهداف أن يكون الهدف واضحا ومحددا وقابلا للتطبيق، فلا ينفع أن نضع هدفا عاما فضفاضا مثل أن تقول: الهدف هو تحسين الوضع المعيشي، ولا يصح أن تترك الأمور بدون مدة ومنية محددة. وأن يكون الهدف قابلا للتحقيق وفقاً لإمكانياتك فالأهداف الكبيرة جدا مستحيلة التنفيذ قد يكون لها أثر عكسي على تثبيط الهمة لعدم القدرة على تحقيقها. (الاهداف الذكية).
– تأمين غلاف مالي للطوارئ
هناك ظروف غير متوقّعة يمكن أن تؤثر سلباً على الميزانية بالرغم من التخطيط الجيد لها. فقد تحدُث أمور لا يمكن التنبؤ بها ويجب التحوط لها، وهي كثيرة وهي قد تحدث أو لا تحدث، كالمرض أو عطل السيارة أو البطالة. وهذه الحالات لا يمكن لأي شخص أن يتنبأ بحدوثها، إلا انه رغم ذلك تترك اثرها المالي السلبي على الاسرة في حال حدوثها، مما يفرض الحاجة إلى حماية الأسرة من هذه المخاطر. وفي هذا الباب ينصح الخبراء بتخصيص غلاف مالي للطوارئ والمبلغ المثالي يساوي مجمور رواتب 6 أشهر إلى سنة.
– إشراك الجميع في التخطيط
على أفراد الأسرة المشاركة والتوافق على الموازنة الأهداف المالية لضمان تحقيقها بشكل جيد. يؤكّد المهتمون بالشؤون المالية للأسرة على ضرورة إشراك أفراد الأسرة جميعهم وأخذ آرائهم ومقترحاتهم للتخطيط للمستقبل يحقق التفاعل الإيجابي مع الميزانية المقترحة للأسرة، ويكفل في نفس الوقت تحقيق الأهداف التي وضعت في الأساس لها الميزانية. إن تفهم جميع أفراد الأسرة لأهداف الميزانية واشراكهم في إعدادها، سيخلق نوعا من التفهم، وسيقلل من الاندفاع لشراء الحاجيات التي قد لا تكون ضرورية وليس لها بند يسندها في الميزانية.
أيها القارئ العزيز، ها قد أصبحت بين يديك أهم أسس التخطيط المالي الشخصي التي يمكن أن تبدأ بها، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فلا تتردد واستعن بالله وانطلق، ولن تخسر أي شيء فأنت تبذل مجهودا ذهنيا جبارا في القلق من المستقبل والضنك من وضعك المادي اليوم فلا ضرر لو بذلت ربع هذا التفكير في الحل الأمثل والتخطيط الجيد للخروج من هذه الأزمة، حدد هدفك الآن وانطلق.